السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حكت لي صديقتي .. كانت تسير في الطريق فإذا بفتاة جميلة ترتدي استرتش ضيق .. لا أعلم كيف ارتدته .. سمعتها تصرخ.. لماذا تصرخ؟
إنه انقطع وتكشف كل مستور .. وهي لا ترتدي تحته أي شيء آخر!!!
وصرح جميع من في الطريق غطوها .. غطوها ... أين أهلها؟ كيف نزلت من بيتها بهذا البنطلون؟
والفتاة تصرخ وتبكي .. تساءلتُ لماذا؟ وعلى ماذا تبكي؟
لقد نزع منها الحياء قبل أن تتفتق منها الملابس عزيزتي الفتاة
اعلمي أن هذه الفترة من حياتك هي فترة تغيرات شاملة وسريعة في نواحي النفس والجسد والعقل والروح، وهي فترة نمو سريع في هذه الجوانب كلها، حتى قال عنها علماء النفس: إنها فترة انقلاب كامل، وقال آخرون هي مرحلة ثورة وتوتر.
ولكن عزيزتي الفتاة لا تنسي أثناء هذه التغيرات 'الحياء'
تعالى معي عزيزتي الفتاة.. لنقف أمام هذا المشهد القرآني الجميل الذي تجسده لنا الآية الكريمة في سورة القصص {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25]. مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال 'على استحياء' في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء. جاءته لتنهي إليه دعوة في أقصر لفظ وأخصره وأدله يحكيه القرآن بقوله: {إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا} [القصص:25]. [لم تقل له: أحب أن أتعرف عليه .. ما اسمك؟ أنا اسمي كذا...]. فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح، لا التلجلج والتعثر والربكة، وذلك كذلك من إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة، فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب إلاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج، إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب ولا تزيد. [في ظلال القرآن ـ سيد قطب]. عزيزتي الفتاة المسلمة: ما معنى الحياء؟ هل هو خلق مكتسب أم غريزي؟ هل يمكن لمن لا حياء عنده أن يملك من الحياء ما يردعه عن المعاصي؟ وأخيرًا كيف نغرس الحياء في نفوسنا؟ وقبل الإجابة عن هذه الأسئلة هناك قاعدة عريضة توضحها لنا الآية، أنه لابد من حاجز بين العبد وبين المعصية وهذه الآية هي قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى[40]فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعـات:40ـ41]. فتوضح لنا الآية شقين أساسيين هما: اولا :خوف من مقام الله تعالى
ثانيا: نهي للنفس وزجر لها عن هواها متى خالف أمر الله تعالى. وهذا الشق الثاني يكون عن طريق زراعة موانع وبناء حواجز داخل النفس ترفع مستوى تحكم وسيطرة الإنسان على نفسه. ولذا كانت العناية الربانية ثم النبوية بهذا البناء عظيمة كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [[إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق]]. ـ ولقد روى ابن ماجه في سننه وحسنه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [[إن لكل دين خلقًا وخلق الإسلام الحياء]]. فما معنى الحياء إذن؟
ـ الحياء كما عرفه أهل العلم في اللغة أنه انقباض وانزواء وانكسار في النفس يصيب الإنسان عند الخوف من فعل شيء يعيبه.
ـ والحياء مشتق من الحياة، ولذا قال بعض الفصحاء حياة الوجه بحيائه كما أن حياة الغرس بمائة.
ـ كما عرفه علماء الشريعة بأنه خلق يبعث على ترك القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. أو هو الامتناع عن فعل ما يعاب.
عزيزتي الفتاة المسلمة
إن الله عز وجل ـ حليم حيي ستير يحب الحياء والستر كما ورد في صحيح سنن النسائي عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وهذا إشارة إلى أنه حيث وجد الحياء وجد الستر والعفاف، وحيث تحل الجرأة على القبائح يحل معها التكشف والفضائح. واعلمي أن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته، وزوال النعمة تكون في معصيته. فأي جهل وحمق وظلم للنفس إذا تخليت عن حيائك وطاعتك لربك. فلا والله ما في العيش خير *** ولا الدنيا إذا ذهب الحياء يعيش المرء ما استحيا بخير *** ويبقى العود ما بقي اللحاء ولك في رسول الله أسوة حسنة حيث وصف لنا أبو سيعد الخدري الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: [[كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذارء في خدرها]] متفق عليه أليس حريًا بك أن تكوني في حياء الرسول صلى الله عليه وسلم وهو رجل وأنت امرأة؟ ألا تـتشبهين بإحدى ابنتي شعيب التي كرمها الله بذكرها في القرآن ووصفها بهذا الخلق الكريم خلق الحياء عندما قال تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25]. فتاتي .. ابذلي الجهد واعزمي وجاهدي نفسك لتصلي إلى مرتبة الحياء الحق. قال تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69].